-
About
-
Latest on Partnerships
- Programs
- Knowledge Library
- Blog
- Contact Us
يشير إصلاح نظام الليسانس والماجستير والدكتوراه في قطاع التعليم العالي بالجزائر-وهو إصلاح يتسق مع الاتجاهات السائدة نحو العولمة- إلى اتباع نهج جديد للإدارة والحوكمة والتنظيم للمؤسسات المعنية. وفي الواقع، أدت زيادة استقلالية جامعات الجزائر في مجال التدريس والناجمة عن هذه الإصلاحات إلى خلق فرص أكثر تنوُّعاً للتعليم والتكوين (التدريب). ومن ثمَّ تأتي الحاجة إلى استحداث معايير وأدوات لضبط الجودة من البداية لضمان فعالية الإصلاحات واستدامت وهكذا، أتاحت إصلاحات نظام الليسانس والماجستير والدكتواره، بضربة واحدة، أساسا متينا لمشروع كان مطلوبا دائما، لكن لم يتم تحديده من قبل تحديدا جيدا.
وتمشياً مع هذه الخطة وبصرف النظر عن النمو المتزايد لمعدلات التحاق الطلاب، يُشكِّل تحسين الجودة شاغلا خطيرا لمن يتولَّون مسؤولية إدارة مؤسسات التعليم العالي في الجزائر. وعلى الرغم من حُسْن النوايا، فإن هذه التحسينات لا تُنفذ بسهولة، إذ أن الجامعات كائنات مُعقَّدة، تتسم بتفاعل ديناميكي للأحداث والأطراف الفاعلة والأعيان. وتُحرِّكها أيضا مجموعات مختلفة من العمليات التي تستجيب لقواعد مُحدَّدة، وتكون مُعرَّضة بدرجة كبيرة لأحداث عشوائية. وفضلا عن هذا، فإن مقاومة التغيير التي تساندها ثقافة تقليدية مُؤيِّدة للتدخل تجعل من الصعب تنفيذ نموذج للحوكمة.
وفي ضوء ما سبق ذكره، يجب على قيادة الجامعات الجزائرية أن تسعى جاهدة بالفكر والعمل لإنشاء نظام لإدارة الجودة، يتم من خلاله إرساء الحوكمة عن طريق الإجراءات الإدارية التي يجري استخدامها في المؤسسات. وبالنظر إلى التحوُّلات الحالية، والتغيُّرات الدائمة والتحديات المستقبلية، ينبغي لهذه المؤسسات أن تسعى إلى تنفيذ السياسات والإجراءات والمتطلبات اللازمة التي تتيح لها تنفيذ أنشطة من أجل التحسين المستمر لفعاليتها وأدائها وإدارتها السليمة وأساليب عملها وكذلك وظائفها الرئيسية (التدريس والبحث). ويجب أن تتسق كل هذه الإجراءات مع خططها للتنمية المستقبلية.
ولتحقيق هذا، ستتوافق الأدوات المستخدمة في تنفيذ الأولويات والإستراتيجية مع الخطوات التي يتم اتخاذها لتحسين الجودة. وستُنفَّذ هذه الخطوات بمرور الوقت وبمشاركة واسعة، لأن مشاركة الموظفين التي يُشجِّع عليها الالتزام الثابت من جانب جهاز الإدارة تُشكِّل ضمانا للنجاح.
ويصل بنا هذا إلى السؤال المهم: كيف يمكن الانتقال من نظام قائم على الرقابة المركزية إلى شكل عصري للحوكمة يتسم بالشفافية والتشاركية؟ لن يساعد على تحسين قدرات المشرفين والإدارة على تنفيذ الإصلاحات إلا ترسيخ نهج يُركِّز على تغيير الثقافة ويتم استيعابه.
ولأننا غالبا ما ننسى أين تصطدم الإستراتيجية والثقافة، فإن الثقافة هي التي سيكون لها الغلبة دائما.
وفي عام 1972، قدَّم برتران دو جوفينيل وصفا مناسبا لعجز القادة عند مواجهة الثقافة حينما قال: "كلما زاد رسوخ معتقدات مجتمع ما، وكلما زادت إمكانية التنبؤ بسلوكه، قلّ المجال المتاح للسلطات للتحرُّك. والسلطة قد تبدو مطلقة حين تُمارَس وفقا للدور المُحدَّد لها بحكم التقاليد، لكن يتبيَّن أنها ضعيفة ضعفا مطلقا حين تحاول تحدِّي قوة التقاليد..."
وماعدا ذلك، فإن القيادة هي خلق الثقافة أو تغييرها، وإذا وضعنا هذا في الحسبان فسيمكننا تحديد العناصر الأساسية لإحداث تغيير في الثقافة وتنفيذ نظام لإدارة الجودة في جامعات الجزائر. وغني عن القول، إن هذا المشروع لن ينجح ما لم يُشجِّع جهاز الإدارة ويساند الأفراد والعمليات الذين يُشكِّلون مُحرِّكات التغيير وما لم يُعزِّز، على الأخص، قدرات المشرفين وطاقم التدريس على تنفيذ الإصلاحات.
فكيف يُمكِن إحداث التغيير المطلوب في الثقافة لمواجهة المقاومة للتغيير والتنفيذ الفعال لمختلف المشروعات والإصلاحات؟ في عام 1976، حدَّد هنري جان في كتابه "النظام الاجتماعي" المُحركات السبع التالية للتغيير في الثقافة وداخل منظمة ما، وهي:
- اللغة
- التعليم/التدريب
- الاتصالات/نشر المعلومات
- التنبؤات التي تخلق التغيير وتساعد على التعجيل به
- التوقعات المعيارية
- الموضة
- أمثلة ونماذج ثقافية
ولأن البيئة تتطلب أن تصبح الجامعات مرنة أكثر فأكثر، فإنه يجب أخذ هذه المحركات السبعة للفعالية المُؤكَّدة بعين الاعتبار، وأن تُطبِّقها القيادة للسماح بعملية تبني سريعة لثقافة تسهّل من التغيير وتنفيذ الإصلاحات. ولا شك أن هذا سيتطلَّب أناسا يتمتعون بمهارات القيادة الحقيقية. ولكن تلك مشكلة أخرى.
ولذلك، فإن الجامعات الجزائرية لن تتمكن من السير في الطريق نحو التفوق إلا بالالتزام بتحقيق تغيُّر يستند إلى الجودة، وتضمين هذا التغير في إستراتيجية شاملة ذات أهداف محددة طموحة وقابلة للتحقيق تكون فيها الحوكمة ديمقراطية وتشاركية وشفافة، وتؤخذ احتياجات وتوقعات أصحاب المصلحة في الحسبان، مع غرس روح الانتقاد والبحث والتحري في نفوس خريجي المستقبل. وسيكون هذا حجر الأساس الذي تُبنَى عليه ثقافة الجودة الشاملة في بيئة تتيح لكل الأطراف الفاعلة الازدهار سواء كانوا طلابا أم مدرسين أم موظفي الدعم.
وكما قال مارسيل بروست "رحلة الاكتشاف الحقيقية ليست في البحث عن أراض جديدة، إنما بالنظر بعيون جديدة." “
هذا المقال هو جزء من سلسلة مدونات تضم وجهات نظر مجموعة من خبراء التعليم العالي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ما يخص مجال التعليم العالي في بلدانهم فضلا عن أراهم في "بطاقة قياس حوكمة الجامعات"، وسيلة مبتكرة تمكن الجامعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أن تقارن نفسها مع المعايير الدولية، ولتحديد مجموعة فريدة من الأهداف ووضع معايير لتقييم التقدم المحرز في تحقيقها. قام برنامج التعليم العلي بالبنك الدولي و مركز التكامل المتوسطي بتطوير هذه البطاقة، وقامت 100 جامعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتطبيقها.